فصل: تفسير الآية رقم (43):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (39- 42):

{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم} قال: هذا مثل الكافر أصم أبكم لا يبصر هدى ولا ينتفع به، صم عن الحق في الظلمات لا يستطيع منها خروجاً متسكع فيها.
أخرج أبو الشيخ عن أبي يوسف المدني قال: كل مشيئة في القرآن إلى ابن آدم منسوخة، نسختها {من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم}.
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله: {فأخذناهم بالبأساء والضراء} قال: خوف السلطان، وغلا السعر، والله أعلم.

.تفسير الآية رقم (43):

{فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)}
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم} قال: عاب الله عليهم القسوة عند ذلك فتضعضوا لعقوبة الله بارك الله فيكم، ولا تعرضوا لعقوبة الله بالقسوة فإنه عاب ذلك على قوم قبلكم.

.تفسير الآيات (44- 45):

{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {فلما نسوا ما ذكروا به} قال: يعني تركوا ما ذكروا به.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {فلما نسوا ما ذكروا به} قال: ما دعاهم الله إليه ورسله أبوه وردوه عليهم.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {فتحنا عليهم أبواب كل شيء} قال: رخاء الدنيا ويسرها على القرون الأولى.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فتحنا عليهم أبواب كل شيء} قال: يعني الرخاء وسعة الرزق.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {حتى إذا فرحوا بما أوتوا} قال: من الرزق {أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} قال: مهلكون متغير حالهم {فقطع دابر القوم الذين ظلموا} يقول: قطع أصل الذين ظلموا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن النضر الحارثي في قوله: {أخذناهم بغتة} قال: أمهلوا عشرين سنة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {فإذا هم مبلسون} قال: المبلس المجهود المكروب الذي قد نزل به الشر الذي لا يدفعه، والمبلس أشد من المستكبر، وفي قوله: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا} قال: استؤصلوا.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد {فإذا هم مبلسون} قال: الاكتئاب. وفي لفظ قال: آيسون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: الإِبلاس تغيير الوجوه، وإنما سمي إبليس لأن الله نكس وجهه وغيره.
وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر والطبراني في الكبير وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيت الله يعطي العبد في الدنيا وهو مقيم على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج»، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء....} الآية، والآية التي بعدها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بقوم بقاء أو نماء رزقهم القصد والعفاف، وإذا أراد بقوم اقتطاعاً فتح لهم أو فتح عليهم باب خيانة {حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون، فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين}»
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال: من وسع عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له فلا رأي له، ثم قرأ {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء} الآية. وقال الحسن: مكر بالقوم ورب الكعبة، أعطوا حاجاتهم ثم أخذوا.
وأخرج ابن المنذر عن جعفر قال: أوحى الله إلى داود، خفني على كل حال، وأخوف ما تكون عند تظاهر النعم عليك، لا أصرعك عندها، ثم لا أنظر إليك.
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي حازم قال: إذا رأيت الله يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذره. قال: وكل نعمة لا تقرب من الله عز وجل فهي بلية.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة} قال: بغت القوم أمر الله، ما أخذ الله قوماً قط إلا عند سلوتهم وغرتهم ونعيمهم، فلا تغتروا بالله فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال: إن البعوضة تحيا ما جاعت فإذا شبعت ماتت، وكذلك ابن آدم إذا امتلأ من الدنيا أخذه الله عند ذلك، ثم تلا {حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة}.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا} قال: قطع أصلهم واستؤصلوا من ورائهم. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول زهير وهو يقول:
القائد الخيل منكوباً دوابرها ** محكومة بحكام العدو الأنفا

.تفسير الآيات (46- 50):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49) قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {يصدفون} قال: يعدلون.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {يصدفون} قال: يعرضون عن الحق. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت سفيان بن الحارث وهو يقول:
عجبت لحكم الله فينا وقد بدا ** له صدفنا عن كل حق منزل

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {يصدفون} قال: يعرضون. وفي قوله: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة} قال: فجأة آمنين {أو جهرة} قال: وهم ينظرون وفي قوله: {قل هل يستوي الأعمى والبصير} قال: الضال والمهتدي.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: كل فسق في القرآن فمعناه الكذب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {قل هل يستوي الأعمى والبصير} قال: الأعمى الكافر الذي عمي عن حق الله وأمره ونعمه عليه {والبصير} العبد المؤمن الذي أبصر بصراً نافعاً فوحد الله وحده، وعمل بطاعة ربه، وانتفع بما آتاه الله.

.تفسير الآيات (51- 56):

{وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56)}
أخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن مسعود قال: مر الملأ من قريش على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب، وعمار، وبلال، وخباب، ونحوهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك منّ الله عليهم من بيننا، أو نحن نكون تبعاً لهؤلاء؟ أطردهم عنك فلعلك إن طردتهم أن نتبعك. فأنزل فيهم القرآن {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم} إلى قوله: {والله أعلم بالظالمين}.
وأخرج أبن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال مشى عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وقرظة بن عبد، عمر، وابن نوفل، والحارث بن عامر بن نوفل، ومطعم بن عدي بن الخيار بن نوفل، في أشراف الكفار من عبد مناف إلى أبي طالب فقالوا: لو أن ابن أخيك طرد عنا هؤلاء الأعبد فانهم عبيدنا وعسفاؤنا كان أعظم له في صدورنا، وأطوع له عندنا، وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقه، فذكر ذلك أبو طالب للنبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر بن الخطاب: لو فلعت يا رسول الله حتى ننظر ما يريدون بقولهم وما يصيرون إليه من أمرهم، فأنزل الله: {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم} إلى قوله: {أليس الله بأعلم بالشاكرين} قالوا: وكانوا بلالاً، وعمار بن ياسر، وسالماً مولى أبي حذيفة، وصبحاً مولى أسيد، ومن الحلفاء ابن مسعود، والمقداد بن عمرو، وواقد بن عبد الله الحنظلي، وعمرو بن عبد عمر، وذو الشمالين، ومرثد بن أبي مرثد، وأشباههم ونزلت في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء {وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا} الآية. فلما نزلت أقبل عمر بن الخطاب فاعتذر من مقالته، فأنزل الله: {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا} الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجة وأبو يعلى وأبو نعيم في الحلية وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن خباب قال «جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري، فوجدا النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً مع بلال، وصهيب، وعمار، وخباب، في أناس ضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حوله حقروهم فأتوه فخلوا به، فقالوا: انا نحب أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا العرب به فضلنا، فإن وفود العرب ستأتيك فنستحي أن ترانا العرب قعوداً مع هؤلاء الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا فلتقعد معهم إن شئت. قال: نعم. قالوا: فاكتب لنا عليك بذلك كتاباً، فدعا بالصحيفة ودعا علياً ليكتب ونحن قعود في ناحية، إذ نزل جبريل بهذه الآية {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} إلى قوله: {فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة} فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده، ثم دعا فأتيناه وهو يقول {سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة} فكنا نقعد معه، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فأنزل الله: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه...} [ الكهف: 28] الآية. قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها، تركناه حتى يقوم».
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن عمر بن عبد الله بن المهاجر مولى غفرة، أنه قال في أسطوان التوبة: كان أكثر نافلة النبي صلى الله عليه وسلم إليها، وكان إذا صلى الصبح انصرف إليها وقد سبق إليها الضعفاء، والمساكين، وأهل الضر، وضيفان النبي صلى الله عليه وسلم والمؤلفة قلوبهم، ومن لا مبيت له إلا المسجد. قال: وقد تحلقوا حولها حلقاً بعضها دون بعض فينصرف إليهم من مصلاه من الصبح، فيتلو عليهم ما أنزل الله عليه من ليلته، ويحدثهم ويحدثونه حتى إذا طلعت الشمس جاء أهل الطول والشرف والغني فلم يجدوا إليه مخلصاً، فتاقت أنفسهم إليه وتاقت نفسه إليهم، فأنزل الله عز وجل {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه....} [ الكهف: 28] إلى منتهى الآيتين، فلما نزل ذلك فيهم قالوا: يا رسول الله لو طردتهم عنا ونكون نحن جلساءك وإخوانك لا نفارقك، فأنزل الله عز وجل {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} إلى منتهى الآيتين.
وأخرج الفربابي وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل عن سعد بن أبي وقاص قال: لقد نزلت هذه الآية في ستة، أنا، وعبد الله بن مسعود، وبلال، ورجل من هذيل، واثنين، قالوا: يا رسول الله أطردهم فانا نستحي أن نكون تبعاً لهؤلاء، فوقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فأنزل الله: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} إلى قوله: {أليس الله بأعلم بالشاكرين}.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: المصلين بلال، وابن أم عبد، كانا يجالسان محمداً صلى الله عليه وسلم فقالت قريش تحقره لهما: لولاهما واشباههما لجالسناه، فنهى عن طردهم حتى قوله: {أليس الله بأعلم بالشاكرين}.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال: كان رجال يستبقون إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم بلال، وصهيب، وسلمان، فيجيء أشراف قومه وسادتهم وقد أخذ هؤلاء المجلس فيجلسون ناحية فقالوا: صهيب رومي، وسلمان فارسي، وبلال حبشي، يجلسون عنده ونحن نجيء فنجلس ناحية، حتى ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انا سادة قومك وأشرافهم، فلو أدنيتنا منك إذا جئنا؟ قال: فهم إن فعل، فأنزل الله: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم...} الآية.
وأخرج ابن عساكر عن مجاهد قال: كان أشراف قريش يأتون النبي صلى الله عليه وسلم وعنده بلال، وسلمان، وصهيب، وغيرهم مثل ابن أم عبد، وعمار، وخباب، فإذا أحاطوا به قال أشراف قريش: بلال حبشي، وسلمان فارسي، وصهيب رومي، فلو نحاهم لأتيناه، فأنزل الله: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} يعني يعبدون ربهم بالغداة والعشي، يعني الصلاة المكتوبة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال الصلاة المفروضة، الصبح والعصر.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم في قوله: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: هم أهل الذكر لا تطردهم عن الذكر قال سفيان: هم أهل الفقر.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض} يعني أنه جعل بعضهم اغنياء وبعضهم فقراء، فقال الأغيناء للفقراء {أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا} يعني هؤلاء هداهم الله، وإنما قالوا ذلك استهزاءً وسخرياً.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض} يقول: ابتلينا بعضهم ببعض.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا} لو كان بهم كرامة على الله ما أصابهم هذا من الجهد.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس {وكذلك فتنا بعضهم ببعض...} الآية. قال: هم أناس كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم من الفقراء، فقال أناس من أشراف الناس: نؤمن لك، فإذا صلينا معك فأخر هؤلاء الذين معك فليصلوا خلفنا.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد ومسدد في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ماهان قال: أتى قوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: انا أصبنا ذنوباً عضاماً؟ فما رد عليهم شيئاً، فانصرفوا فأنزل الله: {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا...} الآية. فدعاهم فقرأها عليهم.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جرير قال: أخبرت أن قوله: {سلام عليكم} قال: كانوا إذا دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم بدأهم فقال: سلام عليكم، وإذا لقيهم فكذلك أيضاً.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله: {وكذلك نفصل الآيات} قال: نبين الآليات.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {ولتستبين سبيل المجرمين} قال: الذين يأمرونك بطرد هؤلاء.
قوله تعالى {قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين}
أخرج ابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم عن هزيل بن شرحبيل قال: جاء رجل إلى أبي موسى وسلمان بن ربيعة فسألهما عن ابنة وابنة ابن وأخت؟ فقال: للابنة النصف، وللأخت النصف، وائت عبد الله فإنه سيتابعنا، فأتى عبد الله فأخبره فقال: {قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين} لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، للابنة النصف، ولابنة الابن السدس، وما بقي فللأخت.